النظام والفوضى

Ibrahim Al Balushi
2 min readJan 14, 2022

البشر ، بطبيعتهم ، يسعون الى خلق النظام.
بينما الطبيعة ، بطبيعتها ، فوضوية.

وإن الصراع بين البشر ضد الطبيعة لا طائل من ورائه ، فنحن البشر نضحي سنين من حياتنا في محاولة تصميم و ترتيب الحياة. فيقضي البعض سنين من عمره في محاولة إتقان وصفة ، أو فن ، أو رياضة ، أو عِمارة أو حصول على شهادة ما تعينه في تنظيم حياته. والبعض الآخر ذو قوة عالية يقضون على الآلاف من الأرواح و الحضارات لتوحيد لُغة ما ، ورسم حدود زائفة ، و خلق النظام. ثم يسقط كل ما بناه البشر كورقة شجرة في أول الخريف — كما سقطت روما ببساطة في إحدى ليالي سبتمبر الباردة.

و أنا ، حاولت جاهدًا في خلقِ نظامٍ أيضًا. في روتينٍ ما. في ترتيب مكتبي و غرفتي و استقامة الحرف الأول من إسمي. بينما لم تهتم الطبيعة بمحاولاتي الكوميدية في ترتيب الحياة. فوجدت نفسي مشتتًا بين مدنٍ و مكاتب و مطاعم لم أستطع في بعض الأيام من سد جوعي حتى أنجح في إختبار لغة جديدة.

الطبيعة أوجدت نظامها من الفوضى. في المطر والبراكين والأعاصير وفصل الخريف.

وما يُبهرني هو فهم بعض المخلوقات لهذا النظام الفوضوي.

ففي يناير يزهر القرنفل في شوارع المدينة ، بينما يناوب محلها في الصيف عُلبة الماونتن ديو مَرمِية على الرصيف. وبالأمس وجدتُ قِطتي مستلقية في خزانة الملابس. ولقيتُ كتاب أُمي بِجانب بهارات الطبخ. وانبهرت بوجود إيصال دور المخبز تحت معجون الاسنان.

بل في إحدى صُبحيات الشتاء بعد كوبٍ من الشاي الأحمر المعتاد في زمنٍ قبل الوباء ، وفي إحدى الدول اللتي لازالت تفتخر بنظامها بين السحاب ؛ لم أجد سياراتي في موقفها المعتاد. فقد قررت شرطة النظام في ذلك اليوم الشتوي الجميل بأن سيارتي تعيق النظام ، فسرقوا نظام يومي المعتاد ، و سحبوا السيارة مني. و لم أجد في محلها إلا شجرة الغاف و نعيق الغراب الساخر على فوضى الكوميديا الإنسانية أمامها.

من يومها كرهت المُدن التي تحاول الوصول الى السحاب ، حتى لو إدعت بالنظام. فأيقنت أنها فقط تحاول الهروب من رؤية الفوضى من حولها ، شرقيةٌ كانت أم غربية. ومن يومها تعلمت — تدريجيا — أن أتماشى مع الفوضى. فما زلت أكره الأماكن غير المنظمة والأحرف السائبة وشعارات الرخيصة.

بدأت تدريجيًا في فهم الطبيعة ، في فهم الفوضى. في الفهم بأنني أُخطط ثم تلتهمني الفوضى مع أحلامي.

وفهم أن الحياة تكمن في الأيام اللتي تشبع منها الفوضى قبل أن تنتهي من مناولة مخططاتي البسيطة ، لأُنعم بها يوما أو حتى لحضة.

“لحظة بكاملها من سعادة … رباه هل تحتاج حياة إنسان إلى أكثر من هذا؟”

--

--

Ibrahim Al Balushi

Industrial & Exhibition Designer. Ex-Traveler. Interested in Islamic aesthetics, languages, museums, culture, mental clarity and chai