وداعًا … لزرافات مطرح

Ibrahim Al Balushi
2 min readJul 11, 2021

عندما كنت طفلاً كنت أتخيل رافعات الشحن في ميناء مطرح على أنها زرافات تطل على مطرح، كنت أتخيل أنهم كانوا يستقبلوا السفن القادمة؛ ثم يقومون بتقديم المساعدة في تفريغ حاويات تلك السفن في الصباح، و يقفوا متأملين الكورنيش وقلعة مطرح في المساء

فكيف لا يكونون — زرفات — ؟ وأنا أشاهد العواميدها الصفراء من خلال نافذة سيارتنا أثناء مرورنا — يوميا تقريبًا — بكورنيش مطرح؛ أعناقها المرقطة باللون الأحمر، وألوانها البراقة كانت تسطع في عيني أمام الجبال البنية والسماء الزرقاء المحيطة بها، فكم كان من الممتع وأنا طفل التحديق بها ؛ حتى أعدتها كجزء من تلك الطبيعة. لهذا أعتبرتُ وجودهم مضمونًا. ولم يخطر حينها على خاطري فكرة غير وجودهم

وفي الأشهر الماضية القليلة غادرت الزرفات بهدوء واحدا تلو الأخرى

لم أتألم لمغادرتهم كثيرا. فحزني ليست أنهم غادروا بل لحزن ذاك الطفل الذي رآهم بعيني بداخلي

‎ برحيل زرافات مطرح أدركت أن أصعب حالات الوداع.. هي تلك التي لم تستطع نطق كلمة الوداع، أو أن تشارك بها أسى الوداع

بالنسبة لي جسدت كلمة “زرافة” بتلك الرافعات
فبعض الكلمات الجديدة تحفر صورًا قويةً في مخيلتنا بمجرد أن نتعلمها أو نسمعها لأول مرة، ولا زالت زرافات مطرح أول ما يخطر بمخيلتي عندما أسمع كلمة زرافة.
فاليوم أدرك أنها مجرد رافعات، وعلى الأغلب قديمة وصدئة لكنني ظننت بأن هناك أمان من الذكريات المرتبطة بالمعمار؛ لأن المباني نادرًا ما تتغير، أو تقرر الرحيل عندما تشعر بالملل، أو الإرهاق، أو عمندما تنتهي من عملها كما يفعل البشر. أليس كذلك؟ لهذا لا أحب زيارة المُدن التي سكنتُها مرة أخرى، فالمباني تشد ذكرياتي لأوقات لم أتمنى زوالها، وعند إختفاء المعمار، بقائهم يطمئنني بأن الذكريات موجودة حتى لو لا أريد استرجاعها

حاولت أن أواسي نفسي من أجل ذاك الطفل وبحثت عن عذرًا لإبقاء الرافعات، فقلت رُبما إذا تمكنا من الاحتفاظ بهم كتراث معاصر كما فعلت كرواتيا التي حافظت على رافعاتها في ميناء پوليا بتسليط أضواء جميلة عليها بدلاً من إزالتها

تبدو مطرح فارغة بدونهم الان

وداعًا… يا عزيزاتي الزرافات.

ولكم مني الشكر… لبساطتكم؛ ومساعدتكم سفن الميناء
فقد كنتم يومًا جزءاً من بيئة مطرح. على الأقل في مخيلتي

‎وداعًا

--

--

Ibrahim Al Balushi

Industrial & Exhibition Designer. Ex-Traveler. Interested in Islamic aesthetics, languages, museums, culture, mental clarity and chai